روى الامام مسلم في صحيحه رقم 1227 عن معاوية ابن الحكم السلمي حديثاً طويلاً فيه ما يثبت اعتقاد اهل السنة والجماعة في اثبات العلو للعزيز الغفار فقال معاوية رضي الله عنه " وكانت لى جارية ترعى غنما لى قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون لكنى صككتها صكة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعظم ذلك على قلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال « ائتنى بها فأتيته بها فقال لها أين الله
قالت فى السماء قال" من أنا
قالت أنت رسول الله
قال "أعتقها فإنها مؤمنة"
قال ابن عبد البر في التمهيد 7-134" فاكتفى رسول الله صلى الله عليه و سلم منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه "
قال أبو عثمان الصابوني: "وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس السافعي رضي الله عنه احتج في كتابه المبسوط في مسألة اعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ”من أنا؟“ فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنك رسول الله الذي في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: ”أعتقها فإنها مؤمنة“. فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما اقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية.
وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه، كما معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلَفِهم وخلفِهم؛ إذ كان رحمه الله لا يرو خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به." ثم ذكرًا آثرين في ذلك منها قول الشافعي رحمه الله - منكرًا على رجل سأله عن حديث حدث به الشافعي هل يقول به؟ - : «... أروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به !».
[عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ص118 و189]
وممن شهد بأنها عقيدة الإمام الشافعي : الحافظ أبو حاتم الرازي (195 - 277 هـ)
قال الشافعي في الأم (2/298) ((إلى أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة فإن كانت أعجمية فوصفت الاسلام أجزأته، أخبرنا مالك عن هلال ابن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لى فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بنى آدم فلطمت وجهها وعلى رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) فقالت في السماء فقال (من أنا؟) فقالت أنت رسول الله ))
وقال في الاستذكار 7-337" واما قوله في هذا الحديث للجارية اين الله فعلى ذلك جماعة اهل السنة وهم اهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه ( الرحمن على العرش استوى ) طه 5 وان الله عز و جل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القران في قوله عز و جل ( ءامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ) الملك 16 وبقوله عز و جل ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر 10 وقوله ( تعرج الملائكة والروح إليه ) المعارج 4
ومثل هذا كثير في القران وقد اوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة عند ذكر حديث التنزيل بما لا معنى لتكراره ها هنا وزدنا ذلك بيانا في هذا الباب في ( التمهيد ) أيضا
وليس في هذا الحديث معنى يشكل غير ما وصفنا
ولم يزل المسلمون اذا دهمهم امر يقلقهم فزعوا إلى ربهم فرفعوا ايديهم واوجههم نحو السماء يدعونه ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه والله المستعان ومن قال بما نطق به القران فلا عيب عليه عند ذوي الالباب "
وهذه دليل صريح لا يحتاج الا توفيق من الله لاعتقاده وتجريد دين الاباء والجماعات ونبذ الكبر واسكان الاخلاص لله جل في علاه , خلافاً لمن قال برأيه , فلبس وشعب في هذا الحديث بأقوالٍ منها
- ان الاسلام لا يثبت لمن قال هذا الاعتقاد , فبناءا عليه وجب التأويل !!
والجواب
هو ما ذكره الخطابي " قوله أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها أين الله قالت في السماء، وسألها من أنا فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا سؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وحقيقته.
ولو أن كافراً جاءنا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت الجارية لم يصر به مسلماً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويتبرأ من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وإمرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه المرأة فيقول زوجتي فتصدقه المرأة فإنا نصدقهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فانا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر، كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه، فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك"
ومنها : ان القول انه الله جل جلاله في السماء يفيد الحلول والتحيز و ما شابه !
وهذه من عقائد الفلاسفة والجدل المقيت الذي يفسد على المرء دينه ودنياه , فإن للعقل منتى ينتهي اليه كذلك السمع والبصر
قال ابو عمر في التمهيد 7-136" وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز و جل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم ..."
فالمكان والزمان بالنسبة للمخلوق الانسان مغاير للواحد المنان
وقال الله " ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون" الحج 47
اما المكان فإن قصد به المحدث الذي يحوينا ويجري عليه ما يجري على باقي المخلوقات فهذا باطل , فالله جل جلاله بائن من خلقه مستو على عرشه كما يليق بجلاله وكما اخبر
قال الله " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " فصلت 38
وهم الملائكة وهم في السماء
والايات في هذا المعنى كثيرة وليس فيها ما يزعمه المخالف من الحلول والحدودية وغيرها سوى قياسه الفاسد على المخلوقات
والله الهادي