وجاوزنا ببني إسرائيل البحر عبرنا بهم حتى جاوزوه سالمين فأتبعهم لحقهم . فرعون وجنوده بغيا وعدوا : باغين وعادين .
العياشي مرفوعا : لما صار موسى في البحر أتبعه فرعون وجنوده ، قال : فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر فتمثل له جبرئيل على رمكة فلما رأى فرس فرعون الرمكة أتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه وقد قريء بالكسر على الاستيناف لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين كرر المعنى الواحد ثلاث مرات بثلاث عبارات حرصا على القبول ، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته ، وقاله في وقت الالجاء ، وكانت المرة الواحدة كافية وقت الاختيار ، وبقاء التكليف .
الآن تؤمن وقد آيست من نفسك ولم يبق لك إختيار وقد عصيت قبل قبل ذلك ، مدة عمرك وكنت من المفسدين الضالين المضلين عن الايمان .
القمي : عن الصادق عليه السلام ما أتى جبرئيل عليه السلام رسول الله إلا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمره الله بنزول هذه الآية ( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) نزل عليه وهو ضاحك مستبشر ، فقال رسول الله ما أتيتني يا جبرئيل إلا وتبينت الحزن من وجهك حتى الساعة ، قال : نعم يا محمد لما غرق الله فرعون ( قال آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) ، فأخذت حمأة فوضعتها في فيه ثم قلت له : ( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) وعملت ذلك من غير أمر الله عز وجل ثم خفت أن يلحقه الرحمة من الله عز وجل ويعذبني الله على ما فعلت ، فلما كان الآن وأمرني الله عز وجل أن اؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون أمنت وعلمت أن ذلك كان لله تعالى رضا .
فاليوم ننجيك ببدنك ننقذك عاريا عن الروح مما وقع فيه قومك من البحر ، أو نلقيك على نجوة من الارض ، وهي المكان المرتفع ليراك بنو إسرائيل لتكون لمن خلفك وراك وهم بنو إسرائيل . اية : علامة يظهر لهم عبوديتك ومهانتك ، وإن ما كنت تدعيه من الربوبية محال وكان في أنفسهم أن فرعون أجل شأنا من أن يغرق .
القمي : أن موسى أخبر بني إسرائيل أن الله قد أغرق فرعون فلم يصدقوه فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا ، ويأتي تمام الكلام فيه وإن كثيرا من الناس عن ايتنا لغافلون لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون .
في العيون : عن الرضا عليه السلام أنه سئل لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ؟ قال : لأنه آمن عند رؤية البأس ، والايمان عند رؤية البأس غير مقبول ، وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) ، وقال عز وجل : ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) ، وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال : ( آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ) ، فقيل له : ( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبس على بدنه فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الارض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الارض ، وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية وعلامة ، ولعلة أخرى أغرقه الله عز وجل وهي : أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله تعالى فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته .
والقمي : عن الباقر عليه السلام في هذه الآية إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ادع الله أن يجعل لنا مما نحن فيه فرجا ، فدعا فأوحى الله إليه أن سر بهم ، قال : يا رب البحر أمامهم ، قال : امض فإني آمره أن يطيعك فينفرج لك ، فخرج موسى ببني إسرائيل وأتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم ونظروا إليه قد أظلهم قال موسى للبحر : انفرج لي ،قال : ما كنت لأفعل ، وقالت بنو إسرائيل لموسى غررتنا وأهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة ، قال : ( كلا إن معي ربي سيهدين ) ، واشتد على موسى ما كان يصنع به عامة قومه ، وقالوا : يا موسى ( إنا لمدركون ) ، زعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد دنوا منا ، فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه ( أن اضرب بعصاك البحر ) فضربه فانفلق البحر فمضى موسى وأصحابه حتى قطعوا البحر وأدركهم آل فرعون فلما نظروا إلى البحر قالوا لفرعون : أما تعجب مما ترى ؟ قال : أنا فعلت هذا فمروا وأمضوا فيه فلما توسط فرعون ومن معه أمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقهم أجمعين فلما أدرك فرعون الغرق ، قال : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ) يقول الله عز وجل : ( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) يقول : كنت من العاصين ( فاليوم ننجيك ببدنك قال : إن قوم فرعون ذهبوا جميعا في البحر فلم ير منهم أحد هووا في البحر إلى النار ، وأما فرعون فنبذه الله عز وجل فألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ولئلا يشك أحد في هلاكه أنهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله عز وجل إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة وعظة ، يقول الله : وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون.